بقلم ناجي أمّهز
قلمي لا يكتب.. بل يجرح، لا يروي.. بل يقتل. قلمي سيفٌ من كلمات، هزَّ عروش الكثيرين الذين نموا على أوجاعنا وأحلامنا كالفطريات. حبره دمٌ مسفوكٌ على أرض الوطن، وصوته صوت السيادة والحرية والاستقلال، كما انه صرخةُ الثكالى والمظلومين منذ ثلاثة عقود.
عندما كنت أكتب عن السيد نصرالله في "عرب تايمز"، الصحيفة العربية الأشهر في أمريكا والاغتراب، ضجَّ الكونغرس. وعندما هجوت النظام السوري، اهتزَّت جدرانه العتيقة، فطاردني، واعتقلني، لينتقم مني لان ما كتبته ضده كنت قد كتبته. لكنِّي ما بعت كلمتي، وما انحنيت لوعود المال، وما خضعت لإغراءات الشهرة أو تجَّار الهيكل. كانوا يريدونني أن أهاجم المقاومة، فكنتُ أزداد عنها دفاعًا، لأنَّني أعرف الحقيقة.. وأعرف من يقاتل ليحيا، ومن يحيا ليبيع الأوطان.
المقاومة ليست حزبًا سياسيًّا تُساوِم عليه المصالح، ولا كرسيًّا يُباع في مزادات السفارات، ولا بيانًا يُقرأ من خلف مكاتب مكيفة. المقاومة هي صوت الأحرار والجائعين للعزَّة، هي وجوه الأطفال المحرومين من الألعاب، وضحكة الحياة، ورغيف الخبز. هي الأمهات اللواتي يبكين عند ولادة طفل، خوفًا عليه من الموت. أطفال فلسطين وجنوب لبنان يولدون وهم محكومون إمَّا بالموت أو الاعتقال، طالما أنَّ إسرائيل تحلم بالتوسع والاحتلال. المقاومة هي الرجال الذين طحنهم الفقر، ويضربون كفًّا بكفٍّ لا يعلمون ماذا يقدّمون لفلذات أكبادهم في زمن سلطة المال والمناصب، ولم يُترك لهم سوى خيارين: إمَّا الذل وإمَّا القتال.
في الحرب الأخيرة، عادت إلينا صورة موتسيكل الشهيد.. ذاك الفارس الحديدي، الذي حمل جسد الشهيد إلى الجبهات، وحمل في جوفه الموتسيكل طعامًا من معلبات لا يتعدَّى خمسة دولارات. أهذا هو الثمن الذي يأكله رجلٌ ليحمل الوطن على كتفيه؟ خمسة دولارات ليمضي أيَّامًا تحت القصف، بينما مَن يهاجمه يُنفق مئات الدولارات على وجبة عشاء فاخرة؟! أهذا هو العدل؟
أيُّها الجالسون في مطاعمكم الفاخرة، المتحدِّثون عن الوطنية بلسانٍ لم يعرف العطش، من خلف هواتفكم الثمينة، المُنظِّرون من خلف شاشاتكم المُرصَّعة بالذهب، هل تعرفون معنى أن يذهب شابٌّ نحو الشهادة، وقد حمل طعامًا دون خبز ثمنه فقط خمسة دولارات؟ هل تعرفون معنى أن يتكئ على جدارٍ مهترئ تحت القصف، بينما تهنؤون أنتم في ظلال رفاهيتكم، تنظرون وتضحكون وتتسامرون وتستهزئون، وتبحثون عن أخطاء سياسية أو إعلامية لا ذنب لهذا المقاوم فيها؟
المقاوم لا يملك سوى وطنه، ولا يُغنيه إلا تراب أرضه، ولا يحمل في قلبه إلا يقين النصر. يخرج من بيته مودِّعًا أمَّه التي لا تملك إلا الدعاء، وأباه الذي لا يعرف إن كان سيبكي أو يبتسم وكم سيقتله الاشتياق، وإخوته الذين ينتظرون اسمه في قوائم الشهداء أو المنتصرين. هو لا يعود كما ذهب، إمَّا ملفوفًا براية الشهادة، أو مُحمَّلًا بعبق النصر، لكنَّه لا يعود خالي اليدين أبدًا.. لأنَّه يحمل شيئًا لا تملكونه أنتم.
ومن أنتم حتى تتجرَّؤوا على مثل هؤلاء الأبطال؟
استحوا
استحوا أن تتحدَّثوا عن الوطنية وبنفس الوقت انتم تهاجمون الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الوطن،
اصلا أنتم لا تملكون من الوطنية إلا الخطابات الكاذبة.
استحوا أن تتحدَّثوا عن الحرية وتتهمون الشهداء الذين روت دمائهم الوطن بانهم عبيد لهذه الجهة او تلك، العبيد هم الذين قتلت كرامتهم وبرروا جبنهم من اجل المال والسلطة، واخفوا خوفهم من المواجهة بأساطيل من الكذب السياسي.
استحوا أن تتحدَّثوا عن الشهداء امام اهالي الشهداء، وهم أساس بنيان هذا الوطن كما أنهم سياجه ورجاله.
استحوا!
"أيها المنظّرون، ماذا تعرفون عن المقاومة؟ هل جلستم ليلة واحدة في العراء؟ هل اشتاق لكم أطفالكم، كما يشتاق اطفال المقاومين لابائهم على الجبهات، هل شعر اطفالكم بالحزن او اليتم كما يشعر ابناء الشهداء،
بينما تداعبون اطفالكم وتخبرونهم عن امجادكم المزيفة، تذكروا ان هناك طفل يتذكر كيف كان يلعب ويضحك مع والده الشهيد.
في النهاية، يمكن تزوير كل شيء.. إلا الحقيقة.
والحقيقة هي أنَّ هؤلاء الذين يسيرون نحو الشهادة، لا يسيرون وحيدين، بل ترافقهم العزة والكرامة الحرية التي يحلمون فيها لمن بعدهم،
انتم الذين على الارض لن تصلوا بزيفكم الى رجال السماء التي امتدت لهم يد الخالق لانه يستحقون المجد والخلود.
في الختام انا لست ضد الاختلافات السياسية، او حتى التخاصم السياسي، لكن انا ضد الاساءة لاي مقاوم لبناني يقدم روحه في سبيل وطنه او من اجل موقف انساني يشير ان هذا الوطن هو وطن الانسان.
نعم، عادت دراجته إلى قرية الخضر في البقاع، بينما افترشت رفاته تراب بلدة الخيام.
أوصل فتات الخبز والطعام إلى رفاق الدرب، وقاتل حتى آخر ذرة في جسده، ثم كان له ما أراد.
دراجة كانت كالجواد الأصيل في أحلك الظروف، وفارس لم يعد إلى الديار، بل مضى حيث السعادة الأبدية.
إنه الشهيد أحمد حمزة.
والسلام.
ناجي علي امهز